( انهيـار )


جلستْ أمام جسده الراقد على السرير تتأمله ، وقد مدت ورديّتها بوردية زميلتها كي ترعاه لأطول فترة ممكنة ، هي لن تتركه لواحدة من الفاتنات في القسم .. ستهبه وقتها وجهدها، ثم تهبه حياتها كلها .. وسيم هو جداً ، ويستحق .
قال الطبيب عن حالته أنها انهيار مفاجئ للمعدلات الحيوية ، هذا نتيجة الجوع والإرهاق.. عندما أفاق لحظة سأله الطبيب : " انت ما أكلتش ؟ " ، أجاب : " نسيت " ، وعاد إلى غيبوبته .. هذا شخص لا ينام ..لا يأكل ، جاء مرتدياً بذلة كانت أنيقة، لابد أن لـه يومان أو ثلاثة لم يذهب إلى بيته.. مشغول هو في عمله جداً .. رجل أعمال على الأرجح.. كُثر هم رجال الأعمال الشباب هذه الأيام ، ولكن هاهو واحد منهم يلقي به الحظ في طريقها، وهي ستقتنص الفرصة .
قال الطبيب أن غيبوبته طبيعية ، فجسده يحتاج إلى الراحة بشدة ، وسيخرج خلال يومين على الأكثر، لكن عليه تناول وجبة غذائية مناسبة قبل الخروج من المستشفى .. لم يسأل عنه أي أحد ، ولم يجدوا في جيوبه ما يفيد ليتصلوا بذويه ، حتى أنه لا يحمل محفظة أو نقوداً .. هكذا هم رجال الأعمال لا يحملون نقوداً .. بدأ يفيق .
اقتربتْ منه أكثر ليرى وجهها ، فليعلم الآن من الملاك الذي كان يسهر على رعايته ويهتم به .. حاول التحرك من رقدته ولكن نغزته إبر المحاليل الموصلة بذراعيه، فنهضت لتعينه.. ابتسم لها شاكراً ، وذهبت لإحضار الطبيب .

- حمد الله ع السلامة يا بطل .
- الله يسلمك يا دكتور .
بدأ الطبيب يفحصه ويطمئن على حالته ، ثم أفاده :
- انت نمت كويس ، بس لسة ناقصك غِذا كويس .
أومأ برأسه ، ثم قال الطبيب :
- لقد أرهقت نفسك كثيراً ، ماذا تعمل ؟
- أنا لا أعمل يا دكتور .. أنا أبحث عن عمل .
كانت الصدمة قاسية ، قاسية جداً .. وقعُ الكلمة على أذنيها دمر أحلامها ، وجعل كل آمالها تنهار في لحظة ، قال الطبيب :
- قدامك يومين كمان وتقدر تخرج .

خرج الطبيب فخرجت الممرضة في إثره ، واتجهت إلى واحدة من زميلاتها تطلب منها القيام بأعمالها بدلاً عنها .. فهي ستقدم طلب إجازة لمدة يومين .

**

ليست هناك تعليقات: