المجموعة القصصـية * ما .. حدث *



في انتظار تعليقاتكم على المجموعة القصصية ( ما حدث )





المجموعة الساخرة ( شنتر بن عـداد )






( استحضــــار )



أظلمتُ المكان .. أوقدتُ شمعتين .. كنت قد جهزتُ أصدافاً ثلاثة، وقوقعة.. كيلو من السكّر.. مصحفا وأوراق فارغة.. أتممتُ كل الطقوس، والقُلـُنسوة على رأسي، بدأتُ النداء بصوت مبحوح :

- بحق الأرض والسماوات ، وما مضى وما هو آت .. بحق الموت والحياة، والشر والنجاة.. احضر آمنا يا كبير الجن ، أستفتيك في أمر مهم .

وصلني الصوت الخافت البعيد يقول بعمق :
- أنت لا تساوى كيلو السكر الذي أمامك ، فبأي حق تستدعيني ؟!

( قـرقعة )




أنا .. لا أحد يشبهني .
" يا لي من متواضع " .

*

أحرقتُ جلده بسيجاري الفاخر .
" في الواقع ، لم أر من هو أكثر مني رحمة " .

*
- من فضلك .. اعترف .
" مهذب جدا .. أنا " .

*

صرخاته العالية آلمت أذني ، أما يستحق أن نمزق له أحباله الصوتية ؟
هذا ما يدعونه بـ ( قرصة ودن ) .

*

الغرفة الضيقة عازلة للصوت .. في قبو منزل قديم ، بحيّ شعبي .. لو ساءت الأمور وانكشف الأمر ، سنخلي المنطقة ..
من جثث السكان .

*

بطيء فهمه .. بعض الكهرباء تفتـّح الذهن .

*

سئمت طول الوقت ، والنتيجة ذاكرة مشوشة وجلد محترق وأعصاب مكهربة .. وحنجرة فارغة.
" يا للملل " .

*
" يا لي من صبور " .
*

أعدتُ ربط حذائي ، وأطلقت رصاصة على الساق .. فقط.

*
أكرر ..
" يا لي من رحيم " .

*

( انهيـار )


جلستْ أمام جسده الراقد على السرير تتأمله ، وقد مدت ورديّتها بوردية زميلتها كي ترعاه لأطول فترة ممكنة ، هي لن تتركه لواحدة من الفاتنات في القسم .. ستهبه وقتها وجهدها، ثم تهبه حياتها كلها .. وسيم هو جداً ، ويستحق .
قال الطبيب عن حالته أنها انهيار مفاجئ للمعدلات الحيوية ، هذا نتيجة الجوع والإرهاق.. عندما أفاق لحظة سأله الطبيب : " انت ما أكلتش ؟ " ، أجاب : " نسيت " ، وعاد إلى غيبوبته .. هذا شخص لا ينام ..لا يأكل ، جاء مرتدياً بذلة كانت أنيقة، لابد أن لـه يومان أو ثلاثة لم يذهب إلى بيته.. مشغول هو في عمله جداً .. رجل أعمال على الأرجح.. كُثر هم رجال الأعمال الشباب هذه الأيام ، ولكن هاهو واحد منهم يلقي به الحظ في طريقها، وهي ستقتنص الفرصة .
قال الطبيب أن غيبوبته طبيعية ، فجسده يحتاج إلى الراحة بشدة ، وسيخرج خلال يومين على الأكثر، لكن عليه تناول وجبة غذائية مناسبة قبل الخروج من المستشفى .. لم يسأل عنه أي أحد ، ولم يجدوا في جيوبه ما يفيد ليتصلوا بذويه ، حتى أنه لا يحمل محفظة أو نقوداً .. هكذا هم رجال الأعمال لا يحملون نقوداً .. بدأ يفيق .
اقتربتْ منه أكثر ليرى وجهها ، فليعلم الآن من الملاك الذي كان يسهر على رعايته ويهتم به .. حاول التحرك من رقدته ولكن نغزته إبر المحاليل الموصلة بذراعيه، فنهضت لتعينه.. ابتسم لها شاكراً ، وذهبت لإحضار الطبيب .

- حمد الله ع السلامة يا بطل .
- الله يسلمك يا دكتور .
بدأ الطبيب يفحصه ويطمئن على حالته ، ثم أفاده :
- انت نمت كويس ، بس لسة ناقصك غِذا كويس .
أومأ برأسه ، ثم قال الطبيب :
- لقد أرهقت نفسك كثيراً ، ماذا تعمل ؟
- أنا لا أعمل يا دكتور .. أنا أبحث عن عمل .
كانت الصدمة قاسية ، قاسية جداً .. وقعُ الكلمة على أذنيها دمر أحلامها ، وجعل كل آمالها تنهار في لحظة ، قال الطبيب :
- قدامك يومين كمان وتقدر تخرج .

خرج الطبيب فخرجت الممرضة في إثره ، واتجهت إلى واحدة من زميلاتها تطلب منها القيام بأعمالها بدلاً عنها .. فهي ستقدم طلب إجازة لمدة يومين .

**

( القمقم )


منذ سبعة آلاف عام وضعوا مصر في قمقم .. ومنذ بضع سنوات وجد أحدهم هذا القمقم صدفة ، ففتحه .. ولكن لم تخـرج مصــر .

( ضياع )



- ضاع المفتاح .
قلتها وأنا أتلفت بعيني على الأرض ، سألني وهو يبحث معي :
- أين ضاع ؟ ما شكله ؟
- لا أدري ، الآن اكتشفت أنه ضاع .
- أما توجب عليك استخراج نسخة منه ؟!
نظرت له مندهشاً.. توقفت عن البحث وقلت :
- ربما.. عندك حق ، كان لابد أن أستخرج نسخة من المفتاح ، المفتاح قد يضيع فأجد نسخته .
صمتُّ قليلاً بينما هو يبحث ، ثم استطردتُ :
- لابد أن أستخرج نسخة من البطاقة إذاً .. ورخصة القيادة ، والكارنيه .
- ...
- والسيارة كذلك ، لابد من استخراج نسخة عليها.. والمنزل .
نظر ناحيتي باستغراب ، فأكملت بهدوء :
- هل تدري ؟ كان على أجدادنا استخراج نسخة من الوطن ، في حال ضياع النسخة الأصلية .

*

( مواســم )



1



ترددتْ أصداء أغان عن الأم في الملجأ ، اختصت أذنه أغنية واحدة تصيخ إليها ، " ماما .. يا حلوة.. يا أجمل .. غنوة " ، ممثلات ومذيعات ممن يراهن في التليفزيون يدرن في المكان يوزعن الهدايا.. رقد على ظهره عاقداً يديه أسفل رأسه متأملاً سقف الحجرة محاولاً التذكر .. " هي ماما كانت حلوة زي الأغنية ما بتقول " ؟


*


2


اليوم هو أنسب أوقات السنة لتكوين ثروة صغيرة يعتمد عليها طوال العام ، يجلس أمام المسجد الكبير ليلة الوقفة منتقياً أردأ الملابس .. يظل ساهراً كل الليل حتى صلاة العيد، يجمع الحصيلة ويدسها في الوسادة البالية التي يجلس عليها ، تابع جريدة اليوم السابق ليعرف أن مفتي الجمهورية صرح بـ 4 جنيهات زكاة عيد الفطر لهذا العام ، في السنة الماضية كانت خمسة..
" هو يعني بيطلع من جيب أبوه " ؟

*


3



أضاف قلباً خامساً على الحائط بلون أحمر ، سجل فوقه السنة الميلادية ، رسم سهماً يخترق القلب، في أول السهم كتب أول حرف من اسمه بالإنجليزية ، تأمل الحرف ، ثم رمى القلم .

*




4


باع خمسة آلاف متر قماش لأعضاء الحزب ، لم يحلم بمثل هذا الإيراد منذ بدأ في ( الكار )، أدرك أن التجار من حوله سيغارون منه ، فلا يظنهم باعوا مثل هذه الكمية في يومين.. جلس يعد الفلوس وباب المحل نصف مغلق .. مرت مظاهرة تدين التوريث ، وضع النقود في خزينة المحل وخرج في المظاهرة .


*

( كدة عيب )


ولجتُ المنزل على صراخ زوجتي وهي ممسكة بذراع ابننا الصغير بعنف وتنهره قائلة :
- كدة عيب .
وضع ممل يتكرر عدة مرات يومياً، والمشكلة أن الصبي عنيد يكرر نفس أخطائه ، وهي صبورة تكرر نفس أسلوب العقاب واللوم .
دخلتُ غرفتي دون القاء أي تحية عليهم واستبدلت ملابسي بينما دخلت زوجتي صائحة :
- الغدا جاهز في المطبخ ، أنقله على الترابيزة ؟
هي ليست غاضبة ولكن هذا هو أسلوب حوارها منذ عدة أعوام ، أومأتُ برأسي دون رد فخرجتْ للتنفيذ .
كنت آكل مترقباً ابنتي في انتظار لحظة توسيخها مفرش السفرة مثل كل يوم ، وما أن تم هذا حتى شهقت زوجتي وكأنما الأمر مفاجئاً لها ، وصاحت :
- كدة عيب .
وأضافت عبارات متناثرة على غرار " انتي صغيرة ؟ " علما بانها صغيرة بالفعل، " مش قلنا مليون مرة ... " وبالفعل قالت معلِّمة أكثر من مليون مرة كيفية تناول الطعام بدون توسيخ ، ولكنني أجهل حتى الآن كيف يجب على طفلة في الخامسة أن تجيد استخدام الشوكة والسكين بدون توسيخ ‍!
جلستُ مع كوب الشاي أمام التليفزيون والصياح يتناثر في أرجاء المنزل تتخلله عبارات عن المذاكرة وحل الواجب وسماع الكلام وأشياء أخرى .. لا أدري السر وراء توحيد توقيت النشرات الإخبارية على القنوات ، ولا سبب تكرار الأحداث الإخبارية على كل قناة بنفس الترتيب مع فارق اختلاف لهجات المعلقين وزميلاتهم .
مقتل .. مصرع .. استشهاد .. شارون.. القاعدة.. متحدث باسم البيت الأبيض .. الصياح لا يتوقف من الكائنات الثلاثة الأخرى .. تهمة رشوة .. قنابل .. انتخابات مزورة .. أسلحة دمار شامل ، ما معنى شامل ؟ شجب .. ضبط النفس .. هؤلاء في حاجة لزوجتي كي تعرفهم أنه :
- كدة عيب .


*